مقتل سائق "توك توك" مسن طعنًا وسحلًا عقب صلاة الفجر article
عانى "عم عبدالعزيز"، خادم المسجد، بعد أن وصل لسن المعاش، وتجاوزه الستين، كثيرًا لتدبير شئون أسرته المادية، فهو رب أسرة مكونة من زو...
معلومات الكاتب
عانى "عم عبدالعزيز"، خادم المسجد، بعد أن وصل لسن المعاش، وتجاوزه الستين، كثيرًا لتدبير شئون أسرته المادية، فهو رب أسرة مكونة من زوجته وأبنائه الأربعة، بعد أن تزوج ابنه الأكبر، بالإضافة لوالدته، لم يستطع الشيخ أن يركن إلى مبلغ المعاش الذي يتقاضاه من التأمينات الاجتماعية، ووجد أنه لا بد من أن يعمل سائقًا لتوك توك بالإيجار لتدبير مصاريف معيشته، ومساعدة بناته الثلاث على الزواج.
وذكرت "بوابة الأهرام" تفاصيل الحادث؛ حيث روت أنه وبعد أن مرت الأيام سريعًا، يستيقظ فيها العجوز كعادته أثناء عمله كخادم للمسجد، قبيل الفجر بقليل، يتوضأ ويخرج للصلاة ومن ثم يعود للمنزل، ليأخذ التوكتوك ويخرج للعمل، واستطاع العجوز طوال 7 سنوات من عمله أن يدبر زواج بناته الثلاث، تحسنت أحواله المادية قليلًا، وتمكن من جمع مبلغ من المال دفعه كمقدم شراء لـ"توكتوك" خاص به بدلًا من استئجاره للعمل عليه، على أن يدفع أقساطه شهريًا، وكانت سعادة الشيخ لا توصف بأنه امتلك "التوكتوك" أخيرًا، لكنه كان يجهل أن مصيره سيكون السحل والموت دفاعًا عن مصدر عيشه.
جلس أبناء عبدالعزيز حنفي، سائق التوكتوك، بمنتصف شارع عبدالعال أبو زيد، بمنطقة خرطة عاصم، في بولاق الدكرور، يتلقون واجب العزاء في والدهم، الحزن يحاصر الجميع، والبكاء والعويل يملأ المنطقة، والسواد يكسو النساء من أهل القتيل وجيرانه، قلوب الجميع تتمزق لفراق "الراجل الطيب" شهيد لقمة العيش. ابني اللي فاضل راح.. مكانش ليا غيره"، تبدأ الحاجة جميلة، صاحبة التسعين عامًا، حديثها عن "عم عبدالعزيز"، بالكاد تخرج كلماتها مسموعة من شدة حزنها، فمنذ 3 سنوات فقدت ابنها الأول في مشاجرة مع الجيران، والأمس ودعت ابنها الأخير بعدما سحله 3 أشقياء لسرقة التوكتوك الخاص به.
ووصف الأم التسعينية وجعها على مقتل نجلها القتيل، بأنها لم تقابل "في حنيته"، فهو يقوم على طلباتها ويلبي كل رغباتها، كل ما كان يطمح إليه هو لقمة العيش، لإعالة أسرته وقضاء حوائج والدته وشراء علاجها في مواعيده، الكل يحبه لحسن أخلاقه وتدينه، وهو بدوره لم يكن يتأخر عن مساعدة أي شخص منذ أن كان يعمل خادمًا للمسجد.
تلتقط "لبنى" ابنة "عم عبدالعزيز" طرف الحديث من جدتها، لتروي تفاصيل يوم مقتله: كانت الساعة لا تتجاوز الخامسة والنصف صباحا قبل أن تتلقى اتصالًا هاتفيًا من مجهول يخبرها بأن والدها في مستشفي بولاق الدكرور، نظرًا لتعرضه لحادث، أثار الاتصال ذعرها، لكن طرف المكالمة الآخر حاول طمأنتها وطالبها بالحضور، أنهت المكالمة وارتدت ملابسها سريعًا وتحركت للمستشفى.
"وانتشرت الجروح في جسم والدي لدرجة أن العضم كان باين"، تصف "لبني" مشهد والدها وهو يجلس وحيدًا على أحد الأسرة بالمستشفى "دون أن يقوم أحد بتطبيبه وتضميد جراحه"، خاصة ذلك الجرح الممتد من أسفل ركبته وحتى قدمه، والذي يبدو خطيرًا، وآخر تحت إبطه الأيسر، جلده يبدو متهتكًا تمامًا وعظامه بدت واضحة من أسفل الدماء التي تغطيها، استنجدت بالأطباء لمساعدة والدها، وبعد حضور أحد الأطباء وأمين شرطة بالمستشفى، طلب منها الطبيب اصطحابه لإجراء بعض الأشعة، وبالفعل نفذت ما طلب منها، ووصل حينها باقي أشقائها.
يقول "عمرو"، (يعمل في دهانات السيارات)، ونجل "عم عبدالعزيز" الأكبر، أن أمين الشرطة والطبيب طلبا منهم أن يصطحبوا والدهم لقسم بولاق الدكرور لتحرير محضر بالواقعة، حتى لا يضيع حقه، حمل الأبناء والدهم وانتقلوا للقسم في توكتوك، وحررو المحضر المطلوب، وهناك روى "عبد العزيز" تفاصيل ما حدث معه، وقال إنه خرج لعمله عقب صلاة الفجر كعادته، استوقفه 3 أشخاص وطلبوا توصيلهم، لكن عقب تحركه بهم فوجئ أنهم يتعدون عليه ويحاولون إخراجه من التوكتوك، واستلم أحدهم مقعد القيادة فيما قام الآخران بضربه وطعنه بالأسلحة البيضاء حتى يتخلى عن مركبته، إلا أنه تشبث بها بيديه، فيما جسده خارج التوكتوك بالكامل، ما تسبب في جراحه بقدميه، وفي النهاية لم يستطع المقاومة، إلى أن تدخل الأهالي لمساعدته وتمكنوا من القبض على اثنين فيما تمكن الثالث من الهرب.
"واحنا راجعين بيه من القسم للمستشفي السر الإلهي طلع". يضيف "عمرو" عن مقتل الأب، فعقب انتهاء والده من الإدلاء بأقواله في قسم الشرطة اصطحبوه عائدين للمستشفي مرة أخرى لاستكمال العلاج، وحينها اشترى له زجاجة مياه وعلبة عصير، شرب الأب رشفة من كل منهما قبل أن يفقد الوعي تمامًا، وحينما وصلوا للمستشفي علموا أنه فارق الحياة.
أما زوجة "عم عبدالعزيز"، فتتحدث عن تفاصيل حياته في الفترة الأخيرة، قائلة إنه تمكن منذ عدة أشهر بعد عناء لفترة طويلة من العمل عند الآخرين من تدبير مبلغ 10 آلاف جنيه، دفعها مقدمًا لشراء توكتوك جديد من إجمالي مبلغ 50 ألف جنيه، ووقع الزوج القتيل على إيصالات أمانة بباقي المبلغ، قيمة كلا منها 1500 يسددها على أقساط شهرية.
"قلبه كان حاسس إنه هيموت"، تقول الزوجة، فمنذ يومين تقريبًا توجه زوجها "عبد العزيز" لزيارة بناته الثلاث كلا في شقتها، على عكس عادته، وكان حديثه معهم هو نفسه تقريبًا، إذ طلب منهن المحافظة على حياتهن الزوجية والاعتناء بأزواجهن، والوقوف بجانبهم في محنهم، مؤكدًا لهن أن حياته لن تطول، فهو يريد الاطمئنان عليهن قبل وفاته، تعجبت بنات "عم عبدالعزيز" من حديثه لكنهن أصغين جيدا، وتعهدن بتنفيذ تعليماته.
تغالب الزوجة دموعها على زوجها فقيد لقمة العيش، وتقول إنها وابنها أحمد طالب الثانوية العامة سيعانيان بعد غياب زوجها، خاصة مع حملهم الثقيل بدفع أقساط التوكتوك، والعناية بوالدة زوجها وتوفير نفقات علاجها، خاصة أن نجلها الذي كان يساعد والده بالعمل على التوكتوك بعد إنهاء دراسته يوميًا، لن يقوى على حمل المسؤولية وحيدًا.
يتدخل "أحمد"، 18 سنة، طالب الثانوية العامة، لإنهاء الحديث قائلًا إنه لن يدخر جهدًا للوفاء بمتطلبات معيشة والدته وجدته، وأنه سيعمل على أن يكون خير خلف لوالده صاحب السيرة الطيبة، والمحبوب من كل أهالي المنطقة والمعروف برغبته في مساعدة الجميع.
Source link