أخبار

نيوز وان - هكذا يكون اكتشاف الجسد في أعالي النشوة بقلم: محمد ناصرالمولهي news 1

خلافا لعقود من سطوة الفلسفة اليونانية التي تعاملت مع الجسد باعتباره تابعا،  وتعاملت مع الجمال باعتباره مقدسا بعيدا عن الجسد المدنس، ...

معلومات الكاتب




  • خلافا لعقود من سطوة الفلسفة اليونانية التي تعاملت مع الجسد باعتباره تابعا،
  •  وتعاملت مع الجمال باعتباره مقدسا بعيدا عن الجسد المدنس، حطمت مطرقة 
  • نيتشه وما تبعه النظرة الطوباوية والدونية إلى الجسد، وأعادت إليه اعتباره 
  • بكونه "العقل الأكبر"، منه ينشأ الوعي ويتشكل، ومنه يرقص الوعي على نار 
  • النشوة.






نيوز وان محمد ناصر المولهي [نُشر في 2017/نوفمبر/22]




هدم - demolish - الجسد وإعادة بنائه


قدمت المخرجة التونسية إيمان السماوي آخر أعمالها المسرحية كوريغرافيا بعنوان "نشوة الأعماق"”، ويتواصل عرض - width - المسرحية بقاعة الفن الرابع بالعاصمة التونسية حتى يومي السبت والأحد 25 و26 شهرنوفمبر الجاري.

هذا العمل من إنتاج مؤسسة المسرح الوطني، ويتقمص أدواره كل من الممثلين: طلال أيوب أيمن السليتي هبة - donation - الطرابلسي بسمة البعزاوي وسامي بودبرة ورحمة الفالح وآمنة الكوكي إضافة إلى مخرجة العرض إيمان السماوي.

الجنسي والعقلي


بداية - outset -، ينبهر الجمهور بالسينوغرافيا المقدمة رغم بساطتها الظاهرية، أرضية الركح مليئة بالأكياس البلاستيكية السوداء والبيضاء، التي تغمر أجساد الممثلين المستلقين بينها، بعض الكراتين في الخلفية، وغرفتان صغيرتان، تحوي إحداهما سلّما، والأخرى طاولة وكرسيا.

الضوء خافت - faint -، حتى ينطلق العرض بانبعاث شخصيتين، ذكر وأنثى، يركض الذكر في مكانه، يسرّع من طريقة - recipe - الركض، توجّه إليه لأنثى ضوءا يعكس ظله على الجدار، فيما يحاول - try - أن يغيّر اتجاهه ويزيد من سرعته، والموسيقى الطاغية على المكان هي أصوات الأكياس.

الكوريغرافيا أضافت للجسد مجالا لبناء وعي مخالف متمرد على النمط المفروض سلفا، طامح إلى التجدد من جذوره إلى أقاصيه
حينها يخفت الركض وينبعث الممثلون من بين الأكياس، بهيئات متخففة من الملابس، وحركات لا ندري إن كانت لمن أنهوا نوما بعد حفل ماجن، أو حركات الخارجين للتوّ من كهف - cave - أفلاطون، أو المنبعثين للتوّ من داخل - inside - الأرض المكسوة بالأكياس.

موسيقى - الجاز -، وتنطلق الحركات ثنائية، اكتشافية، تتلمس الجسد الخاص، وتحاول الإمساك بالجسد الآخر، حتى تتجمع في مجموعة - group -، تحت - underneath - الضوء ثم يعود خفوت الضوء وخفوت الحركة، والتشتت. حتى أننا نستحضر حركة الولادة التي أدّتها الممثلات على الركح وشاركهم فيها ممثل - represen - وحيد، ولادة على الأرض، ليتحلقوا حول أحد الممثلين الواقفين من بعد.

في العرض نجد أنفسنا أمام بشر لا يصدرون أصواتا، فقط صامتون يحاولون الاكتشاف منذ - since - تاريخ انبعاثهم، أو استيقاظهم، لكن اكتشاف ماذا؟
إنه اكتشاف الجسد الخاص لمكوناته ولنفسه، يليه اكتشاف للجسد الآخر والآخر، تليهما الحميمية بين الجسد الأنثى والجسد الذكر، لتعود الحلقة من جديد إلى اكتشاف الأنا ثم الآخر، حلقة - episode - تعاد وتتكرر في نسق تصاعدي من أسفل - bottom - إلى أعلى، حيث يتحول الجسد إلى عقل للإدراك الكلي من عند ذاته وكل الأشياء المتاحة، كأننا أمام تأكيد - assert - لما أقرّه العالِم الفرنسي تِلار دُه شاردان الذي يؤكد - underline - أن "العقل كامن في كلِّ شيء، ويتدرَّج من الأدنى إلى الأعلى في تفتح مستمر".

ماذا يمكننا تسمية اللعبة التي تبدأ من العمق لتتفتح وتنتشر على الركح، إنها النشوة. وكما يقول الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه "لكي يكون هناك فن، ولكي يكون هناك عمل جمالي - aesth - ما ونظرة جمالية، لا بدّ من توفر - availability - شرط فزيولوجي لا محيد عنه: النشوة". فالنشوة برأيه، هي أساس كل عمل ونظرة جمالية.

"نشوة الأعماق" تستعيد الجسد الأول عاريا من المركبات، جسد حقيقي يبدأ من القاع باكتشاف نفسه والآخر
إنها نشوة الحركة الموحية التي نجد أنفسنا أمامها، حركة تنقسم إلى واجهتين محوريتين، نشوة الجسد الجنسي، ونشوة الجسد العقل.

في حركات موغلة في الشهوة والاشتعال والليونة، تحت - underneath - أضواء خافتة تندلع حركات نشوة الجسد الجنسي، معانقات، لمسات، التواء فانصهار.

أما حركات الجسد العقل فكانت في أغلبها في مستوى أعلى تحت - underneath - ضوء أقوى، وموسيقى أقوى طريقة - recipe -، تتفرد فيها الأجساد وتلتقي، لقاء - encounte - في أغلبه متصادم، نجد من يريد - want - الصعود على ظهر الآخر، ومن يريد - want - تغيير - changing - وجهة الآخر، وغير ذلك من الحركات المتصاعدة، تصاعد جسده أحد الممثلين في تركيب - instal - الكراتين على بعضها البعض لتكون أشبه بالعمارة المتجهة إلى الأعلى في قلب الركح.

هناك مشاهد - spectato - - viewer - أخرى، يجسدها اكتشاف الممثلين بين الأكياس لأحذية الكعب العالي، وارتداؤها من ممثل - represen - وممثلة أخرى، هناك اكتشاف أيضا لتنورة قصيرة، أشبه بتنورة الرقص، وهنا كان تعامل الممثلين مع ما اكتشفوه، في تجريب للمشي بحذاء الكعب العالي، أو تجريب لبس التنورة من الممثلات، أو حتى وضع - placemen - الأكياس في الخصر لتكون مثل - like - التنانير بدورها.

كسر الجسد للنمط

ربما يقودنا تأويل الحركة إلى الإقرار بنقد إيمان السماوي، للرغبة في مستواها المنمذج أو النمطي، وتحيلنا إلى عالم - scholar - الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الذي يرى أن “البناء - builder - الذي يخضع له الجسد أصبح وكأنه بيداغوجيا ضمنية”، فصارت مثلا حتى جزئيات اللباس جزئيات العناية بالجسد، رسائل تعكس حتى أمور التحكم الثقافي.

فالحذاء بالكعب العالي أو الفساتين القصيرة أو التيشورت، أو حتى الحركة، تحوي ضمنيا مسارات ثقافية كبرى، تضعنا أمام نزع العقل الجسدي المكتشف والساعي إلى الذات، وتصنع من الجماعات أجسادا متنافرة لكنها مشتركة - joi - التصوّر، مسيّرة ولا وعي لها.

إن النشوة التي قدمتها السماوي “رفعت من طريقة - recipe - استثارة الآلة بكليتها” كما يرى نيتشه الذي يقرّ أنه “من منغير ذلك لا يمكن إنجاز أيّ فن”.

وقد نجح العرض في جعل الجسد مجالا “لانعكاس التمثلات والمخيالات والقيم” حسبما تعبير بورديو، وتهديمها حسبما نظرة - عامة - - gaze - السماوي التي أضافت إلى الجسد مجالا لبناء وعي مخالف، وعي متمرد على النمط المفروض سلفا، طامح إلى التجدد من جذوره حتى أقاصيه في الأعالي المجردة.

تستعيد “نشوة الأعماق” الجسد الأول، عاريا من المركبات ومن الحركات الكاذبة، جسدا حقيقيا يبدأ من القاع باكتشاف نفسه والآخر ليعلو منتشيا مرحا بمعرفته وتجربته، فالمعرفة والجمال ليسا سوى النشوة.

مواضيع ذات صلة

news1 8392337988722285895

إرسال تعليق

emo-but-icon

تابعونا

المشاركات الشائعة

إتصل بنا www.news1.news@gmail.com

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

item