News1- الخطاب الديني بين التكفير والتطبيل.. حالة #مصر نموذجا بقلم: سعد القرش
من العبث استجلاب أحكام فقهية قديمة تجاوزتها البشرية؛ فهي في زماننا تصبح أكبر من مجرد - bare - اجتهادات، وبعضها يتعارض مع مواثيق إنسانية مستق...
معلومات الكاتب
من العبث استجلاب أحكام فقهية قديمة تجاوزتها البشرية؛ فهي في زماننا تصبح أكبر من مجرد - bare - اجتهادات، وبعضها يتعارض مع مواثيق إنسانية مستقرة وقعت عليها الدول من منغير الرجوع إلى رجال الدين.
نيوز وان سعد القرش [نُشر في 2018/02/13، العدد: 10899، .)]
لم يخسر الدين المسيحي شيئا، ولم يفقد أتباعا، منذ - since - تاريخ أن اقتحمت الحداثة أرض الكهنوت، والتزم رجال الدين بمواقعهم في جغرافيا دور العبادة، ومكانتهم في قلوب المؤمنين، داعين إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فعصموا الدين من الخوض في جدل السياسة، وصانوا قداسته بعيدا عن غبار التراشق البشري، وتم ترسيم الحدود بين الإلهي المطلق والإنساني المقيدبة.
ولكن رجال الدين الإسلامي لا يعترفون بهذا الترسيم، ويكابرون بالاستعلاء على هذا الفصل - chap -، حتى لو استخدم فريق منهم خطابا دينيا لمناصرة توجه سياسي - politica - أو مسؤول يكفره فريق آخر، باسم الدين أيضا.
من العبث استجلاب أحكام فقهية قديمة تجاوزتها البشرية؛ فهي في زماننا تصبح أكبر من مجرد - bare - اجتهادات، وبعضها يتعارض مع مواثيق إنسانية مستقرة وقّعت عليها الدول من منغير الرجوع إلى رجال الدين. خذ مثلا حكم الدية، لترى أن التفاصيل الخاصة به، والتي تحتل بابا في “فقه السنة”، لم تعد تهم أحدا، وليست من الحكمة إثارتها؛ حرصا على الوقت وصونا لصورة عقل المسلم.
كيف تُـقنع العالم الذي يأوي الملايين من المسلمين اللاجئين إلى إنسانيته، فرارا من الاستبداد في “ديار الإسلام”، بأن دية المرأة نصف دية الرجل؟ ودية الكتابيّ نصف دية المسلم؟ ودية المرأة الكتابية - clerical - نصف دية المسلمة؟ وسيكون من الغفلة أن يقال إن دية الحر تختلف عن دية العبد في عالم - scholar - يحرّم الاستعباد ويجرّمه.
باستثناء - except - المجتمعات المنغلقة والطائفية والأبوية والنظم العسكرية، لا يقبل العقل مبدأ ولاية المتغلب بالسيف، قياسا على تجارب كان فيها وليّ الأمر مسلما بالضرورة، ويحتمي بكتيبة من رجال الدين لا يقل تأثيرها عن الجيش المسلح. هذا المبدأ “الفقهي” أربك رجلا مثل - like - يوسف القرضاوي، وأهدر 70 عاما من الحفظ والاسترجاع والتنقيب عما يخدم قضيته. استقرت القاعدة الفقهية على عدم جواز مدافعة المسلم الذي يستولي على السلطة بالقوة؛ بدعوى حفظ الاستقرار. فابن حجر العسقلاني يقول “أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب.. وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن - inject - - inject - الدماء، وتسكين الدهماء”.
ومن قبله قال ابن قدامة “ولو - albeit - خرج رجل على الإمام فقهره، وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وتابعوه، صار إماما يحرم قتاله، والخروج عليه، فإن عبدالملك بن - bin - مروان خرج على ابن الزبير، فقتله واستولى على البلاد وأهلها، حتى بايعوه طوعا وكرها، فصار إماما يحرم الخروج عليه، وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم”.
ولكن يوسف القرضاوي، عام 2011، حث - motivate - - induce - أبناء الجيش السوري على الانضمام إلى “الجيش الحر”. وأفتى أيضا “لقادة وضباط وجنود الجيش الليبي ألّا يسمعوا وألّا يطيعوا. السمع والطاعة هنا حرام. أُفتي: من يقدر منهم أن يطلق رصاصة - bullet -، ويريحنا من شرّه (معمر القذافي) فليفعل”. ثم تذكر القاعدة الفقهية القديمة بعد صعود محمد مرسي، فأفتى بحرمة الخروج عليه؛ لأنه “وليّ الأمر المسلم الذي يجب أن يطاع بأمر الله”.
وبعد عزل مرسي عام 2013، ناشد القرضاوي مسلمي العالم “في كل مكان، من إندونيسيا وماليزيا ونيجيريا والسنغال وباكستان وبنغلاديش والهند والصومال والعراق وإيران وليبيا وتونس وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وفي كل بلاد الدنيا”، ليكونوا شهداء في #مصر، ويواجهوا “الانقلاب” الذي انتهى - finished - حكم تنظيم - regulat - الإخوان. وهنا ذكّره مذيع فضائية الجزيرة بمبدأ الطاعة لمن تغلب بالسيف، فقال القرضاوي إن عبدالفتاح السيسي لم يتغلب بالسيف. وبهذه الإجابة التلقائية أبطل أكاذيب الإخوان بأن ما جرى في 30 شهريونيو 2013 انقلاب.
وإذا احتكمنا في أي صراع - conflict - سياسي - politica - إلى رجال الدين، فلن نجد إلا دعوة - invitation - إلى الدماء، ويكفي أن تقارن بين مواقف القرضاوي وإسلامجية #قطر وتركيا، ومواقف رجال الـدين الرسميين وقطـاع من السلفيين الموالين للحكـم في #مصر. تسفر هـذه المقـارنة عن بؤس - misery - غير نهائي يمثله رجـال الدين، باسم الإسلام. وربما تفسّر حالات الإلحاد، وفقدان الأمل في أن يكون للدين جدوى حيوية، مادام رجاله على هذا النحو من النفاق والشقاق.
القرضاوي الذي تجاوز التسعين نسي “فتوى” أن السيسي لم يتغلب بالسيف، واستبق الانتخابات الرئاسية في مارس - march - 2018، داعيا إلى مقاطعتها بحجة أن السيسي “استولى على الحكم - referee - بالظلم والطغيان”، واتهمه بالفجور. وفي لغط يتسلح فيه كل فريق بالدين، نسف سلفي مصري اسمه محمد سعيد رسلان فكرة هذه الانتخابات، وأهدى إلى السيسي فتوى مضادة - counter - لفتوى القرضاوي قائلا إن “الشرع يقول إن وليّ الأمر المسلم لا يُنافس ولا يُنازع، في مقامه ولا في منصبه الذي بوّأه الله تبارك وتعالى إياه… وليّ الأمر، ومن بيده السلطة، ومن له الحكم - referee - بأمر الله، لا ينازع ولا ينافس، ولا يُدخل في منافسة على منصبه”.
لم يعدم السيسي مناصرة أستاذ - professor - الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أحمد كريمة، وليس في تاريخه سابقة - precedent - اجتهاد في شؤون الجغرافيا السياسية، ولكنه تطوّع وأفتى في مقال عنوانه “الجزيرتان رؤية فقهية” بصحيفة “الأخبار” الحكومية في 17 شهرإبريل 2016، بأن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين “وديعة” يجب ردها إلى أصحابها أو إلى ورثتهم.
فأيّ الفريقين أحق بالتصديق والاتباع؟ رجل الدين الداعي إلى تكفير حاكم - ruler -، ورجل الدين المطبّل للحاكم خوفا أو طمعا، كلاهما يستنطق الدين، ويستند إليه في إطلاق الفتوى، ولا يتواضع فيقول إنه يصيب ويخطئ.
ولكن كليهما يرفض أن يُوكل قيادة - command - سيارته إلى شخص محدود الكفاءة لمجرد أنه تقيّ، بل يخشى على حياته على الرغم من ثقته بأن ما سيصيبه لم يكن ليخطئه، وينتقي قائدا ماهرا أيّا كان دينه أو درجة تدينه.
ويبدو أن إدارة - administer - كيان مركب - compound - اسمه الدولة أقل شأنا من قيادة - command - سيارة. والحالة الأخيرة تقريب لمفهوم العلمنة، وهي في تعريفها المبسط فصل - separation - الدين والأخلاق عن الإدارة وفقا لقانون أو عقد - contract - اجتماعي لن يقدر شخص أن يدّعي تأويله بإلهام من الله. أما وقد صار الدين الذي يقدّمه رجاله إلى الناس فتنة، فلا أملك إلا أن أبتهل إلى الله بدعاء “اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا”، وهو جدير - worthy - بالاستجابة.
كاتب - clerk - مصري