News1- إذا غابت الشمس واختفى ضوء النهار تبدأ أحداث أخرى بقلم: مفيد - beneficial - نجم

معلومات الكاتب

الكاتب : Aya Hassan

• في كل أعماله القصصية والروائية يبدو الكاتب التونسي أبوبكر العيادي مشغولا بموضوع الاستبداد وما ينتج عنه من فساد - corruption - وقمع وتفاوت اجتماعي كبير، يجعل الانقسام المجتمعي طبقيا يأخذ بعدا حادا، يدفع سكان الهوامش والأحياء الفقيرة ثمنه الكبير من حياتهم واستقرارهم. عوالم تتناسل من بعضها البعض في أعمال الكاتب حيث نجدها حتى في روايته الأخيرة “لابس الليل”.

نيوز وان مفيد - beneficial - نجم [نُشر في 2018/02/10، العدد: 10896، .)]

في سجون العتمة (لوحة - board - للفنان عبيدة فايد)

في روايته “لابس الليل” يكشف أبوبكر العيادي عن واقع مريع من عند حياة أسرة ريفية مهاجرة، تنزح إلى أحد أحياء الحزام الأسود لمدينة تونس تحت - underneath - إغراءات العيش فيها، لكنها لا تجد أمامها إلا حياة البؤس المدقع، في ظل - shade - ممارسات الابتزاز والقهر لرموز السلطة الفاسدة التي تتحكم في مصائر الناس وتنشر الفساد، ليتحوّل هذا العالم المسكوت عنه إلى صورة مخيفة عن الحياة المحكومة بسلطة العنف والقوة والفساد.

تلعب عتبات الرواية، الصادرة عن دار سحر - charm - للنشر بتونس، دورا مهما على مستوى خلق أفق التوقّع عند المتلقي - receiver -، والتحفيز الواقعي الذي يحاول - try - من خلاله الكاتب أن يوحي بالمطابقة بين شخصيات الرواية وأحداثها والواقع، من عند نفي هذه العلاقة في التنويه الذي يصدّر به الكاتب روايته. كذلك - likewise - يلعب التصدير - export - الشعري دورا آخر في الكشف عن المرجعية الخارجية التي يحيل إليها عنوان - heading - الرواية، وتتكشّف دلالاته من خلالها.

وبقدر ما يحمل - bear - العنوان - headline - في بنيته النحوية الدلالية من معنى - meaningf - مجازيّ مكثّف، يحيل إلى عالم - scholar - الرواية وشخصية بطلها، فإنه يشي بطبيعة العالم الذي تعيش فيه هذه الشخصيات، وتتحرك محكومة بأقدارها في مواجهة - confronta - هذا الظلام الذي تحيا فيه.

عالم - scholar - الجريمة

تبرز واقعية السرد من عند العتبة المكانية التي يفتتح بها الرواية، وتتولى وصف - portray - المكان الذي تعيش فيه بطلة الرواية خدوج وأسرتها، وما تمثّله من وعي اجتماعي محكوم بظروف حياتها القاسية، نجد تعبيره في علاقة التمييز التي تقيمها بين أولادها الذكور والإناث.

وإذا كان وصف - portray - المكان يحدد هوية ساكنيه على المستوى - level - الاجتماعي، فإنّ هذا الوصف يبلغ مداه دلاليا سواء من حيث كونه فضاء مغلقا (فضاء البيت)، أو من حيث صفاته كما يبدو من الداخل - inland - “كانت الحصير المهترئة المفروشة على الأرض المتربة الرطبة، في غرفة واطئة، خالية من المناطق، قد حفرت آثارا مؤلمة في جسد ناحل، لا يبرز منه غير بطن - belly - ولود”.

بعد هذا الوصف للمكان وتقديم شخصية الزوجة، يقوم الكاتب بتقديم شخصيات الأسرة الأخرى. أما على مستوى زمن أحداث الرواية، فإنّ الأحداث المعروفة، التي تتحدث عنها الرواية تحيل على هذا الزمن، وهو النصف الثاني من ستينات القرن - horn - الفائت، كما يظهر ذلك من عند انشغال هذه الشخصيات بأحداث فلسطين وجمال عبدالناصر وحرب #فيتنام.

ترسم الرواية صورة شديدة القتامة لعالم القاع الاجتماعي، الذي تعيش فيه هذه الشخصيات وسط - amid - الروائح الكريهة والفقر الشديد وبيوت الصفيح، لكنها على الرغم من هذه الشروط البائسة لحياتها تجد نفسها فجأة - unexpectedly - - abruptly - تحت - underneath - رحمة - mercy - رموز الفساد لسلطة الاستبداد، بعد أن تقوم ببناء منزل طيني، تعمل البلدية على هدمه لأن صاحبه ليس عضوا في حزب السلطة.

لذلك تجد نفسها تعود من جديد إلى بيوت الصفيح وسط - amid - روائح المصبّات ومجاري الحي المكشوفة. وكردّ فعل - verb - على هذا الظلم يأخذ الابن الأكبر في البحث عن شخصية موظف البلدية المتسلط على حياة السكان للانتقام منه، متخذا من عتمة الليل ستارا له، لكنه يصطدم في طريقه بالعصابة التي تعمل لصالحه، فيخوض معها معركة - battle - شرسة ينتصر فيها، لكنه يخرج منها مصابا بجرح بليغ، ينقل على إثره إلى المستشفى.

تتوفى والدة الكامل شخصية بطل الرواية الرئيس، فتتحمّل أخته الصغرى المسؤلية عن رعاية - sponsor - الأسرة، أما هو فبعد أن يعود من المستشفى يذهب - go - إلى بيت حميدو لكي يتعرف إلى الشخص الذي أصابه باصابات بليغة، وهناك يتعرف إلى عالم - scholar - الجريمة والفساد والجنس والخمرة واستغلال النساء جنسيا - sexual -. إنه عالم - scholar - الجريمة والجنس والبؤس والمخدرات المحكوم بسلطة الأشرار وقوة السلطة كما يروي حميدو للكامل عنه “واقعنا يا صديقي مزر. قال حميدو”.

ثم يبيّن له “إذا غابت الشمس واختفى ضوء النهار حل السواد المخيف في كل زنقة، كل بيت، كل نفس، فنضطرّ إلى الانسحاب من هذا الواقع، على عالم - scholar - خبيء مليء بكل ما نشتهي، وفي أقل تقدير بما يمكن أن نشتهيه فنناله، عالم - scholar - الخمر والنساء”. لكنه على الرغم من ذلك تعيش فيه شخصيات نقية، تمتلك مشاعر الحب الصادق والعاطفة الجيّاشة التي تمثّلها أخته وصديقها المعلم.

رواية - novel - شخصيات

تتسم الرواية ببنيتها السردية الخطية، المتعاقبة - successive - والمتصاعدة نحو الذروة، حيث تتولى شخصية الراوي سرد - narrative - أحداثها وتقديم شخصياتها مستخدمة لأجل ذلك ضمير الغائب. ويظهر التعدد اللساني في لغة الرواية من عند استخدام الكاتب مستويات متعددة منها، تظهر من عند الجمع - combined - بين اللغة الفصحى واللغة المحكية، ولا سيما عند تضمين - inclusion - مقاطع من الشعر الشعبي والأمثال في سياق السرد، بُغية الإيحاء بواقعية الرواية، وواقعية أحداثها وشخوصها.

يستخدم الكاتب إلى جانب لغة الوصف والإسهاب في سرد - narrative - التفاصيل، لغة المونولوج المعبّرة عن عاطفة - affection - جيّاشة في المواقف الدرامية المؤثرة، كما في حال الابنة عندما تأخذ في مناجاة والدتها بعد وفاتها، حيث يطيل الكاتب في هذا المونولوج محاولا أن يُظهر داخل - inside - العاطفة التي تفيض بها، وتأثير غياب الأم على حياتها بعد أن تركتها وحيدة، تحمل - incur - عبء القيام - doing - بشؤون الأسرة على الرغم من حداثة عمرها.

وبالرغم من استحواذ شخصية الكامل على عالم - scholar - الرواية وأحداثها، إلا أنها تعدّ رواية - novel - شخصيات بامتياز، حيث يرافق نموّ أحداثها ظهور شخصيات جديدة، تعيش على الجريمة والانتقام وتجارة المخدرات - drug - والجنس، الأمر الذي يستدعي حضور شخصيات نسائية كثيرة أيضا تتقاطع أقدارها مع أحداث الرواية، وما ينشأ عنها من وقائع جديدة (وريدة- المعلمة مليكة- نادية- زمردة- حبارة..).

مع حالة الفقر الشديد التي تعيشها شخصيات هذا القاع الاجتماعي للمدينة، تكون الجريمة وتجارة المخدرات - drug - والجنس هي الوسائل المتاحة أمام سكان هذا القاع لتحقيق وجودهم واستمرارهم، ولا سيما مع توافق السلطة وغياب الاهتمام بتحسين شروط الحياة لسكان هذا الحزام الأسود كما تسمّيه الرواية، لذلك تغدو القوة هي الوسيلة الناجعة لتحقيق الوجود، والدفاع عن الحياة في عالم - scholar - محكوم بالعنف والقوة والصراع.

وتعدّ شخصية بطل الرواية الكامل بما يتمتع به من قوة وبأس مثالا حي - lively -ّا، على هذا الواقع، الذي يدخله بحثا عن الانتقام، ليجد نفسه وقد أصبح جزءا منه، بعد أن وجد نفسه يغرق في ملذات الجنس والشراب، ولكن منغير أن يفقد حس المروءة والشجاعة، التي تجعل منه رقما صعبا في مواجهة - confronta - خصومه الكثيرين من سكان هذا القاع.

وكما تظهر شخصية الكامل فجأة - unexpectedly - - abruptly - وتفرض إيقاعها على الأحداث، نجدها تغيب - absent - فجأة - unexpectedly - - abruptly - في نهاية الرواية، لتكثر التقوّلات حول مصيرها وأماكن تشأتها، الأمر الذي يجعل العلاقة بين عتبة - thresh - السرد وخواتمها تبدو مترابطة، وتؤكد على وحدة بنية السرد في هذه الرواية.