News1/ جزاء الإحسان أم اغتناء بالتي هي أحسن بقلم: سعيد ناشيد
أسلوب المساعدات الذي تنتهجه معظم الجمعيات والجماعات الدينية لا يبتغي مساعدة الفرد على الاستقلال وتحقيق الاكتفاء والخروج من دائرة الحاجة والا...
معلومات الكاتب
أسلوب المساعدات الذي تنتهجه معظم الجمعيات والجماعات الدينية لا يبتغي مساعدة الفرد على الاستقلال وتحقيق الاكتفاء والخروج من دائرة الحاجة والاتكال، وإنما يخصص ثقافة التسول - beg - وتجارة الإحسان.
نيوز وان / سعيد ناشيد [نُشر في 2017/نوفمبر/27، .، .)]
لا يسيء إلى القضايا العادلة غير المتاجرين بها. لا ريب في ذلك. بل لا يسيء إلى المشاعر الإنسانية النبيلة غير سماسرتها وتجارها، وهم - illusion - كثيرون في كل زمان ومكان. رغم ذلك ليس هناك في الحياة الطبيعية للناس الأسوياء من موقف - stance - أكثر نبلا من أن يتقاسم شخص ما قطعة خبز يملكها مع شخص محتاج مثله أو أحوج منه.
هذا المشهد في منتهى البساطة لكنها البساطة التي تقول كل شيء عن الإنسان المعافى روحيا. معضلتنا في هذه الأيام أن الأمور لم تعد بهذا النحو من النبل الأخلاقي والبساطة الإنسانية؛ إذ يتعلق الأمر بشركات ذات أهداف ربحية تستثمر في العمل الإحساني وتتاجر به، وتمتلك نصيب “العاملين عليها”، مع امتياز - conc - الإعفاء الضريبي، وأما الباقي فيمكن أن تضمنه الشطارة. بل أكثر من ذلك، بدءا من “نصيب العاملين عليها” يتفرّع نصيب العاملين تحت - underneath - إمرة العاملين عليها، وهكذا دواليك.
ليس الطموح إلى السلطة شيئا معيبا، وليست الرغبة في امتلاك المال عيبا في ذاتها، لكن استغلال الدين لأجل الوصول إلى السلطة أو امتلاك المال هو الفساد بعينه. ولا أدل على ذلك من العمل الخيري نفسه الذي يفسد فسادا مبينا حين يصبح حجة لبلوغ السلطة أو امتلاك المال. لهذا السبب يشهد الحقل الإحساني صراعا محتدما بين أنصار المأسسة وأنصار الفوضى. لكن يجب الاعتراف بأن موازين القوى لا تزال لصالح قوى الفوضى الإحسانية.
وقد سمعنا مسؤولين عن بعض التيارات الدينية في #المغرب يعارضون تقنين الصدقة والعمل الإحساني تحت - underneath - طائلة “الذين يمنعون الماعون”. يذكرنا هذا النوع من الحجاج بكلام قديم لعلي بن - bin - أبي طالب يوم بعث ابن مسعود لمحاورة الخوارج فقال له: لا تجادلهم بالقرآن فإنك تقول فيقولون. المزايدة باسم الدين والإحراج باسم الدين، لعبة قديمة لكنها مدمرة اليوم.
قد لا يخلو كلامنا من بعض القسوة، لكنه ليس أشدّ قسوة من قسوة الصورة التي شاهدناها. هذه الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية عن قرية بوعلام، بإقليم الصويرة بالمغرب، حيث توفيت خمس 10 امرأة بسبب التدافع حول أكياس الدقيق التي كان يشرف على توزيعها أحد شيوخ الإحسان.
يؤكد - underline - المشهد المخزي والمحزن مرة أخرى بأننا باسم الصدقة التي كرستها التقاليد المخزنية، لكن تفوق فيها الإسلام السياسي والذي أنشأ شبكات هي عبارة عن لوبيات وشركات للاستثمار في الإحسان، قد بدأنا في آخر المطاف نصنع شعبا من المتسولين الذين قد لا يترددون في التدافع على الصدقات والإكراميات إلى حد الموت في الزحام وتحت الأقدام.
بعيدا عن الفاجعة، فالملاحظ أن أسلوب المساعدات الذي تنتهجه معظم الجمعيات والجماعات الدينية لا يبتغي مساعدة الفرد على الاستقلال وتحقيق الاكتفاء والخروج من دائرة الحاجة والاتكال، وإنما يخصص ثقافة التسول - beg - وتجارة الإحسان، بحيث يبقى - stay - الفرد طول عمره رهينا لخير “أهل الخير”، ومن ثمة يولد نسق أخلاقي يمجد قيم التواكل والتسول والخنوع والاتّباع. لذلك قد لا نحتاج إلى جهد كبير حتى ندرك بأن ثقافة التسول - beg - وتجارة الإحسان تمثلان عائقا، بل إعاقة ذهنية ووجدانية بنحو يقود إلى الفشل الذريع للمئات من المشاريع المدرة للدخل التي أنجزتها العشرات من الجمعيات التنموية في السنوات الفارطة.
في المقابل، حين ننظر إلى المجتمعات المتقدمة - dev - فإننا نلاحظ تواجد العشرات من الجامعات الحديثة والمختبرات العلمية في أميركا وأوروبا، التي ساهم في بنائها أهل الخير والإحسان، مما يؤكد - underline - لنا - ours - بالملموس حجم التأخر الذي يطال ثقافتنا الإحسانية، والتي أصبحت بدورها مجرد - bare - استثمار أو عبارة عن مشاريع مدرة للدخل بالنسبة لسماسرة الإحسان.
بهذا المعنى تكمن إحدى معضلاتنا في سياسة الخير بالذات، حيث أن فاعل الخير لا يرى نفسه ملزما بالمساعدة حين يتعلق الأمر بالمعرفة والإنتاج والصحة والفن وما إلى ذلك، من قبيل بناء المدارس وإنشاء التعاونيات الإنتاجية وتشييد المستوصفات الطبية والمسارح، لكنه يعتقد كل الاعتقاد بأنه ملزم بالمساعدة حين يتعلق الأمر بعمل له نتيجة فورية حتى وإن كانت محدودة أو شكلية أو عرضية.
والأهم أن تكون الصورة واضحة ليستدل بها كما يعتقد أمام الله، وبالأولى أمام الجهات المانحة: مشهد - spectacle - إطعام جائعين يقفون في الطابور، مشهد - spectacle - إفطار جماعي - collective - لصائمين، مشهد - spectacle - بناء مسجد ضخم في أرض “الكفار”، وهكذا دواليك مما لا يساهم في إخراج المرء من دائرة الفقر والفاقة. المهم هو المشهد، الصورة، الشكل، الإخراج السينمائي والذي قد يتحول إلى فضيحة أو فاجعة، سرعان ما قد تتحول إلى تجارة من نوع - kind - آخر وفي اتجاه آخر، كما حدث في فاجعة الصويرة.
كاتب - clerk - مغربي