News1/ الذي كان بقلم: ياسين عدنان
تبقى شخوص زهرة زيراوي الشبحية مثيرة وهي تتحرّك في بهاء قصصها من منغير أن تروي ظمأ القارئ الفضولي. فالكتابة عندها لا تروم الكشف عن ملامح الشخ...
معلومات الكاتب
تبقى شخوص زهرة زيراوي الشبحية مثيرة وهي تتحرّك في بهاء قصصها من منغير أن تروي ظمأ القارئ الفضولي. فالكتابة عندها لا تروم الكشف عن ملامح الشخصيات.
نيوز وان / ياسين عدنان [نُشر في 2017/نوفمبر/27، .، .)]
هناك أدباء تحوّلوا إلى مؤسسات قائمة الذات، مع أنّ المحبة كلّ زادهم. كذلك - likewise - كانت الأديبة والفنانة التشكيلية المغربية الراحلة زهرة زيراوي. لقد اشتهرت الراحلة بصالونها الأدبي الذي ظل - shade - مفتوحا لعقود في وجه الأدباء من مختلف الأجيال. كان منتدى حقيقيا طالما اجتمعْنا داخله كأدباء شباب هذه الأيام نناقش قضايانا الثقافية الحارقة مع عبداللطيف اللعبي، بنسالم حميش، محمد برادة، حسن نجمي، صلاح الوديع. أحيانا نجتمع بداخل ورشات لنُشرِّح نصّا جديدا لصديق ثم نعيد صياغته بشكل جماعي - collective -. وكانت زهرة زيراوي أحيانا تتركنا إلى سمرنا في الصالون وتهرع إلى مرسمها لتواصل الاشتغال على لوحة - board - جديدة.
كانت مبدعة حرّة تؤمن بالتعدّد وتحرّض عليه. وفيما كان بعض النقاد الأرثوذوكس يرسِّموُن الحدود بين الأجناس الأدبية، كانت هي تفرح بقصة الشاعر وقصيدة الروائي - novelis -. ومع ذلك، فالأصل فيها هي القاصة. ورغم أنها ختمت مسيرتها الأدبية الحافلة برواية “الفردوس البعيد”، تبقى زهرة واحدة من أهم كاتبات القصة في #المغرب.
في البداية كنت أحسّ وأنا أقرأ لها كما لو أنني إزاء نصوص غير مكتملة. قصص ينقصها شيء “ما”. هذه الـ”ما” كانت الخيط الرفيع الذي التقطَهُ القاص أحمد بوزفور مرة لينبّهنا إلى أنّ هذه الـ”ما” الرهيفة الشفيفة المخطلتة -التي تتكرّر في نصوصها- هي بالضبط ما يصنع فرادة صوتها القصصي.
توجيه - orientation - بوزفور قادني إلى إعادة قراءة مجاميعها القصصية “الذي كان”، “نصف يوم يكفي”، “مجرّد حكاية” بمنظار جديد، لأكتشف أنّ الأمر يتعلق بصوت قوتُه في هشاشَتِه. ثم إنّ قصص زهرة زيراوي تبدو كما لو رُسِمت بالفرشاة. بل إنّ القراءة تصير في بعض نصوصها ملاحقةً عبثيةً لضربات الفرشاة المنفلتة.
حيث تصير الشخصيات مجرّد وجوه غامضة ولا تبدو الكاتبة معنية برسم ملامحها بدقّة وبمقدار ما هي مُصرَّة على لفّها بذلك الغموض الجميل الذي يجعل القراءة استسلاما سعيدا للمتاهة وضربا على غير هدى في شعاب الحكي.
لا تروي قصص زيراوي حكايات مكتملة بقدر ما تقوم على كتابة حرّة يتداخل فيها الحُلمي باليومي والشعري بالسردي والسير ذاتي - subjective - بالأسطوري. كتابة لا تنشُدُ إنجاز بنيات سردية جيّدة السبك ومحكمة الحبك بقدر ما تراهن على التجريب. فنصوصها ليست سوى “تمارين للعطش”. قصص قد تفاجئ قارئها بتحوّلها إلى قصائد زاخرة بالرموز والاستعارات، لها إيقاعها الشعري أحيانا. بل وقد تتحوّل إلى مرسم تحدّد فيه الفنانة تقاطيع الوجه الأنثوي بالأكواريل: الملامح الملائكية، ظلال البشرة الشمعية المشربة باللون الوردي، والابتسامة الهادئة التي تجعل المرأة تبدو كطفلة تقاوم النعاس.
تبقى شخوص زهرة زيراوي الشبحية مثيرة وهي تتحرّك في بهاء قصصها من منغير أن تروي ظمأ القارئ الفضولي. فالكتابة عندها لا تروم الكشف عن ملامح الشخصيات وفضح أسرارها بمقدار ما تتوخّى من مضاعفة هذه الأسرار واستثمارها لتكريس التباسات عملية - process - الكتابة.
كان قطار الرباط قد انطلق للتوّ باتجاه مراكش حين بلغني نبأ رحيلها. توقّفت بمحطة الدار البيضاء وهرعت إلى شقتها. وأنا أقبّل جبينها البارد في وداع مؤلم - painful - أخير، أحسستُ بغصة في الحلق.
كانت تحضننا على الدوام بدفء وحرارة. فمن أين تسرّب البردُ إلى جسدها؟ ياه أيها الموت. أوَ تظنّ أنك 6ُنسينا “الذي كان”؟ هل صارت زهرة الأدب المغربي “مجرّد حكاية”؟ كان المعزّون في حالة من الوجوم أغلبهم يخفضون أبصارهم من فرط التأثر.
أما أنا، فظللتُ أطوف بعيني على اللوحات. لوحات زهرة زيراوي التي كانَتْ لكل واحدة منها قصة وحكاية. وأنا أحفظ هذه القصص، وأعرف أن زهرة زيراوي ستظل حي - lively -ّة بيننا فسر القصص والحكايا واللوحات. رحم الله زهرة الأدب المغربي.
كاتب - clerk - مغربي